القواعد الذهبية
عاصم السيد
في هذا الدرس المهارات الأساسة لدى المؤدي، إنها قواعد من ذهب، إن التزمت بها أتقنت بإذن الله وأبدعت. يتخيل الناس فنان الأداء الصوتي رجلًا يقرأ أوراقًا أمام المايكروفون، يقف في غرفة التسجيل وحيدًا مع المايكروفون وما هو إلا قطعة من حديد، ويفصله عند مهندس الصوت الجالس في غرفة التحكم زجاج عازل أو عدسة كاميرا، فكيف يستطيع أن يعيش مع النص ويعبّر عنه.
1. مَثِّل نعم، ولا أعني بالتمثيل هنا التزييف أو التصنع، إنما أعني أن تتوحد مع النص، وكأن الكلمات هي كلماتك أنت، تتحرك معها مشاعرك وأفكارك وجوارحك، ابتسم عندما تعبر عن معنى سعيد، واعبس عندما تعبر عن معنى حزين، ولتتحرك تقاسيم وجهك بالدهشة والغضب والخوف والفخر وكل انفعال تؤديه، لا تظنن أن الحركة أمام المايكروفون الحديدي ستجعلك تبدو مجنونًا -في واقع الأمر قد تبدو مجنونًا بعض الشيء- لكن أداءك سيكون صادقًا ومعبّرًا، إنها معادلة منطقية سهلة، ما تؤديه بوجهك من التعابير وبجسدك من الحركة، يخرج في صوتك، إن ابتسمت تظهر نغمة الفرح في كلامك، وإن لم تفعل وصل صوتك إلى المستمع باردًا جافًا تمله الآذان، المايكروفون الآن ليس قطعة حديد، إنما هو أذن صديقك، وهذا هو الفرق الرئيس بين القراءة والأداء، وإننا معشر فناني الأداء الصوتي قوم لا نقرأ أمام المايكروفون، وإنما نؤدي، كل فرد من الجمهور يسمعك كأنك تحدثه وحده، فامنحه اهتمامك ومشاعرك وجوارحك، كما يفعل الإنسان في أي محادثة، الهدف هنا ألّا يشعر المستمع أنك تقرأ له وإنما تحدثه. إن من أهل الفنون الأخرى مؤدين صوتين تتحرك وجوههم وأجسادهم مع المعاني فيهزون الأفئدة هزًّا، فليكن لك نصيب يومي من مشاهدتهم، تأمل أداءاتهم وحركاتهم وسكناتهم، وهم إلى جنب هذا الأداء الصادق المؤثر يحافظون على النطق السليم والنفس المتزن ويتخيرون أماكن الوقف ببراعة، منهم على سبيل المثال قُرَّاء القرآن الكريم، فلو شاهدت عبد الباسط عبد الصمد –رحمه الله- أو د.أحمد نعينع في لحظة تجلٍ، لوجدت تقاطيعه تنقبض وتنبسط مع المعاني، وجسده يهتز مع الأداء، فكأن قلبه هو الذي يتلو آيات الله، من الناس من يحب أن يشاهد أم كلثوم لا أن يسمعها وحسب، فإن في رؤيتها متعة وهي تعبر بوجهها وحركتها عن كلمة دلال أو حب أو عتاب، وإذا أردت أن تغوص في بحر المشاعر حتى يرق قلبك فاسمع للشعراء الذين يجيدون الإلقاء، وأذكر منهم ممن لهم لقاءات وحفلات مصورة محمود درويش وسميح القاسم وعمر أبو ريشة وأحمد بخيت، شاهد المسرح فأهله أساتذة فن الإلقاء، وإن من السياسين أصحاب ملكة فذة في الخطابة والتأثير في الجماهير، ليس القصد أن تمثل تمثيلًا جسديًّا ووجهيًّا كأنك على خشبة مسرح أو أمام عدسة كاميرا، ولكن القصد أن تؤدي بصدق، وألا تكون مجرد آلة قراءة
2. كن على طبيعتك مطلوب في الأداء الصوتي بعضٌ من المبالغة ليصل المعنى إلى قلوب المستمعين، لكن لا تبالغ إلى حد التكلّف والتصنّع، استخدم مشاعرك، مخزونَ فؤادك من الفرح والترح وكافة المشاعر الإنسانية، ، وإن المبالغة في الأداء تختلف من مجال إلى آخر، فإن قدر المبالغة في الأداء في عمل موجَّهٍ للأطفال بالتأكيد يفوق تلك المبالغة في أداء تقرير إذاعي عن موضوع اجتماعي، كن صادق الأداء ولا تَكُن مزيّفًا أبدًا. إذا حان وقوفك في الاستديو أمام المايكروفون، فلذلك آداب وقواعد، نتعرض لها في الحلقة القادمة بإذن الله