صفات الحروف العربية
عاصم السيد
ما إن يبدأ الحديث عن اللغة حتى تَرِد موضوعات النحو في الأذهان، ونتأفَّفُ من القواعد المحفوظة، وإن النحو فرع أساس من اللغة العربية لا شك، إنه فرع المعنى، به نعرف الفاعل من المفعول، لكن وحدة بناء أي لغة هي الحروف، وما الحروف إلا أصوات، وقد ذكرنا تعريف ابن جني للغة إذ قال: “اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم”، وإننا نريد في هه الدروس أن نتعرض إلى صفات الحروف العربية، ونتقن أصواتها، التي مسختها العاميّات، وأهالت عليها التراب طرائق تدريس العربية في مدارسنا التي لا استماع فيها ولا تحدّث.
تنقسم صفات الحروف العربية إلى قسمين رئيسين، صفات لها ضد، وصفات لا ضد لها، وندرس من الصفات التي لها ضد ثلاثة أزواج: هي الجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والتفخيم والترقيق.
1. الجَهْرُ والهَمْسُ الجهر والهمس صفتان تعبران عن جريان النَّفس أثناء النطق بالحرف، فالحروف التي يجري مع نطقها النفس مهموسة، فالهَمْسُ هو الخفاء وجريان النَّفس، والحروف التي لا يجري معها النفس مجهورة، وإن الحروف المهموسة في اللغة العربية مجموعة في العبارة “فَحَثَّهُ شَخْصٌ سَكَت”، إن صفات الحروف ظاهرة على الدوام في حالَيِ السكون والحركة، ولكنها أظهر ما تكون والحرف ساكنٌ، ولذا لتحقيق الصفة نضع قبل الحرف همزة وننطقه ساكنًا فتقول (أَفْ، أحْ، أثْ، أهْ، أشْ، أخْ، أصْ، أسْ، أكْ، أتْ)، فإذا وضعت يدك أمام فمك أثناء نطق هذه الحروف شعرت بجريان النفس، وباقي الحروف العربية حروف مجهورة لا يصحبها جريان للنفس، ومَرَدّ ذلك أن الوَتَرَيْن الصوتِيَّيْنِ يهتزان فيتقاربان عند نطق الحروف المجهورة مثل (أذْ، أرْ، أزْ، أمْ، أنْ) ويمنعان جريان النفس، ويبقيان متباعدَيْن عند نطق الحروف المهموسة ويسمحان بجريان النفس، ولو وضعت يدك على مقدمة حلقك أثناء نطق الحروف المجهورة لشعرت باهتزاز الوَتريْن، ولن تشعر باهتزازهما عند نطق حرف مهموس.
2. الشِدَّةُ وَالرَّخَاوَةُ الشدة والرخاوة صفتان تعبران عن جريان الصوت أثناء النطق بالحرف، فالحروف التي يجري مع نطقها الصوت رِخْوَة، أي أستطيع أن أُصْدِرَ منها صوتًا مستمرًّا، والأحرف التي لا يجري معها الصوت شديدة، أي صوتها مقطوع مبتور غير مستمر، والأحرف الشديدة في اللغة العربية هي المجموعة في العبارة (أَجِدُ قَطٍ بَكَتْ)، فإذا قلنا (بَأْ، أجْ، أدْ، أقْ، أطْ، أبْ، أكْ، أتْ) وجدنا أصواتها غير مستمرة إذ يصاحب نطقها إغلاقٌ كلِّيٌّ لمخرج الحرف، أما باقي الحروف العربية الرِّخْوة مثل السين والشين فإننا نستطيع إصدار صوت ممتد ومستمر منها إذا لا يصاحب نطقها إغلاق كلِّيٌ لمخرج الحرف، بَيْد أن خمسة أحْرف يصاحب نطقها إغْلاق جزئي لمخرج الحرف، تُسمّى الحروف البَيْنِيَّة، وهي ومجموعة في العبارة (لِنْ عُمَر)، فعند نطق الميم على سبيل المثال (أمْ) تكون الشفتان مغلقتَيْن، لكن الصوت يمر عبر مسار بديل هو الخيشوم، ولو كان أنفك مزكومًا مسدودًا ما أجدتَّ نطق الميم.
3. التَّفْخِيمُ والتَّرْقِيق إن التفخيم سِمَنٌ يعتري الحرف فيملأ الفم بصداه، والترقيق نحول يعتري الحرف إذ ينحدر الصوت إلى خارج الفم عند النطق، وإن أغلب الأصوات العربية مرققة إلا سبعة أحرف هي المفخمة على الدوام، وهي المجموعة في العبارة (خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ)، فالعرب لا ينطقون (رحمَة)، إذ الميم مرققة على الدوام وإنما نقول (رحمة)، والعرب لا ينطقون (خالد)، إذ الخاء مفخمة على الدوام، إنما نقول (خالد)، غير أن ثلاثة أحرف تكون مفخمة أحيانًا ومرققة أحيانًا وهي كالآتي:
أ- ألف المد (ا): تكون ألف المد مفخمة إذا سبقها حرف من أحرف التفخيم (خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ) مثل قولنا: خالد، صائم، ضائع، غابة، طارق، قاتم، ظالم، بل إن أقصى درجات التفخيم أن يأتي حرف التفخيم مفتوحًا متبوعًا بألف مد، وألف المد تتبع الصوت السابق لها فتكون مفخمة كذلك، أما إذا سبقها أي حرف آخر كانت مرققة كقولنا: التحيّات، الصلوات، الطيّبات، رباب، باب.
ب- لام لفظ الجلالة (الله): تكون لام لفظ الجلالة مفخمة إذا سبق لفظ الجلالة حرف مفتوح أو مضموم، كقولنا: قرأتُ كتابَ الله، كتابُ الله خير الهَدْي، لقد سبقت لفظ الجلالة باء مفتوحة ثم باء مضمومة فجاءت لام لفظ الجلالة مفخمة، وتكون لام لفظ الجلالة مرققة إذا سبق لفظ الجلالة حرف مكسور كقولنا: باسْمِ الله، الحمد لِلَّه، لقد سبقت لفظ الجلالة ميم مكسورة ثم لام مكسورة فجاءت لام لفظ الجلالة مرققة، واللام في أي موضع سوى لفظ الجلالة مرققة على الدوام، كقولنا: صَلَاة، صَلَاح، كَلِمة.
ت- الراء (ر): إن للراء ثمانيةَ أحوال في التفخيم، وأربعةً في الترقيق واثنين يجوز فيهما التفخيم والترقيق، وإنما نكتفي هنا بذكر القاعدة العامة، وتجدون التفصيل على قناة عنادل في مرئية (أحوال الراء)، تكون الراء مفخمة إذا كانت مفتوحة أو مضمومة كقولنا: رَحْمة، رُمَّان، وتكون مفخمة أيضًا إذا كانت ساكنة يسبقها حرف مفتوح أو مضموم كقولنا: مَرْجان، بُرْكان، وتكون مرققة إذا كانت مكسورة كقولنا: رِمال، برِيق، وتكون مرققة كذلك إذا كانت ساكنة يسبقها حرف مكسور كقولنا: فِرْعَوْن، واسْتَغْفِرْه إن صفات الحروف العربية علم كبير، وصل إلينا عبر جهود علماء عظام، بحثوا وأنشؤوا وطوروا قرنًا بعد قرن.
وإننا لا نتعرض بالتفصيل لمخارج وصفات الحروف، وإنما نتعرض لهذا العلم من الباب الذي يضمن للمؤدي الصوتي نطقًا سليمًا وتجنّب الأغلاط الصوتية الشائعة، ولمزيد من التفصيل شاهد سلسلة من المرئيات على قناة عنادل على يوتيوب بعنوان “اللغة العربية للإذاعيين” عبر الرابط الآتي https://goo.gl/JEiesM إن معرفة القاعدة أساس، لكن لا قيمة لمعرفة القاعدة دون تطبيق وممارسة، هل كان درس اليوم مفيدًا لك؟ لا تحرمنا الرأي و السؤال على الدوام