قِصّةُ مُعلِّمٍ أنشأ ابنَه على حُبِّ العربية... فأطلق مشروعًا يُغنّي بها ولها
وَلْيَتَقدَّمِ الفائِزُ، وَلْيُسَلِّمْ عَلى بابا
جملةٌ تاهتْ وسْطَ كثير من التَّنقُّلات، ولكنَّها بقيت محفورة في الذِّكريات، أحدِّثُكم اليومَ عن أبي الذي علَّمني العربيَّة. وإنّي أتحدَّثُ عن سيرةِ أبي الذي علَّمني العربيَّة؛ لِنَأْخُذَ منه المثال في تعليم هذه اللُّغة الشَّريفة لأبنائنا، وأعرض جانبًا من عمله في خدمة هذا اللِّسان الشَّريف؛ تكريمًا وعِرْفانًا بالجميل، فإنَّه صاحب الفضل عَلَيَّ وعلى عنادل.
ذكرنا سابقًا مَبْدَأَ «اِسْمَعْ وَأَسْمِعْ» الذي وضعه لنا د. كمال بشر -رحمه الله- في كتابه «فنُّ الكلام»، حيثُ قال إنَّ اللُّغة صَنْعة يَكْتَسِبُها الطِّفل بالسَّماع والإسماع، فالسَّماعُ في التعلُّم اللُّغويِّ كالمشاهدة في تعلُّم أيِّ صَنْعَة، والإسماع كالممارسة الفِعليَّة للمهارة، ولا بدَّ لهذا المُتعلِّم، أو قل «مُكْتَسِبِ الصَّنعة» مِن قُدوة تُرشده إلى الصَّواب أولَ الأمر، وتُصحِّح له أغلاطَه، وكان أبي قُدوتي اللُّغوية.
والجملة المسرحيَّةُ التي على رأس هذا المقال، كانت جملةَ أبي، يقولُها للفائز منّا -وكنّا أربعة إخوة- إنْ أجاب أحدُنا إجابةً صحيحة عنْ سؤالٍ لُغويٍّ أو قرآنيٍّ، في مسابقات يُعدُّها لنا، ويُشجِّعنا بهذه العبارة المسرحيَّة، فبَقِيَتْ محفورةً في الذّاكرة، إذْ كنّا نَعْدو تِجاهَهُ حينئذٍ فَرِحينَ مُهَلِّلينَ، وكأنَّنا حُزْنا الدُّنيا وما فيها.
واليومَ أرى المشهدَ نفسَه يتكرَّر مع أحفادِ أبي يوسف وياسين وزياد، وهو يُلاعِبُهم، بلْ يخترع لهم ألعابًا، فما أجمل أنْ يَدْخُل يوسف وياسين مِن باب منزلنا سعيدَيْنِ أيَّما سعادة، مُنْطَلِقَيْنِ نحوَ أبي صائحَيْنِ: «مُعلِّمي! مُعلِّمي!»؛ لأنَّه يلعب معهم لُعبة «المعلِّم والتِّلميذ»، أو يُمْسِكون بمِخَدةٍ صَائِحَيْنِ: «حقيبتي!»، إذِ ابْتَكرَ لعبة «الحقيبة»، وفي تفاعله الماتع معهم يحدِّثُهم بالفصحى، ويحكي لهم حكايات شائقة.
وما أحوجنا في هذا العصر أنْ نقرأ لأبنائنا باللُّغة العربيَّة، وأنْ نُسمعهم لغة فصيحة! ولعلَّ هذا صار أيسرَ وأسهلَ في هذا العصر الذي توفَّرت فيه وسائل الاتِّصال عند جميع البشر، فلا يفصلك عَنْ أنْ تُسمع أبناءك العربيَّة إلا نقرة من أناملك على شاشة بين يديك.
إهْمالُ إتْقانِ العَرَبِيَّةِ خَطَرٌ يُهَدِّدُ المُسْتَقْبَل
أصدرَ قطاع التَّعليم في مجموعة البنك الدَّوْلِيِّ تقريرًا يذكر فيه أنَّ أكثرَ مِن ٦٠% مِن أطفال الدُّول العربيَّة ممَّن بلغوا سنَّ العاشرة، لا يستطيعون قراءةَ قِصص عربيَّة مناسبةٍ لأعمارهم، وفهمَ هذه النُّصوص، ومِن المُتوَقَّع أنْ يقلَّ إنتاج هؤلاء الأطفال عن ٥٦% مِمّا يُتَوَقَّعُ منهم عند بلوغهم سنَّ الثامنةَ عشْرةَ؛ ذلك أنَّ القراءةَ والفهمَ مهاراتٌ أساسة ليتعلَّم هؤلاء الأطفال، ويصيروا شبابًا فاعلًا في مجتمعاتهم، يبني اقتصادات بلدانهم.[1]
وهذه صَيحَةٌ لكلِّ أبٍ وأمٍّ لا يهتمّانِ بتعليم أبنائهما لُغتَهم العربيَّة، ويُقدِّمانِ عليها اللغاتِ الأجنبيةَ مُهملَيْنِ اللُّغةَ الأمَّ، إنَّ لذلك أثرًا اقتصادِيًّا كبيرًا يهدِّدُ المستقبل، بل أقول إنَّ الثقافةَ المُنْتَشِرَةَ بين أهل العربيَّة اليوم، هي أنَّ العربيةَ لغةٌ لا فائدةَ عمليَّةً لها، ولن تُعين الأبناء على طلب العلم وكسب المال مستقبلًا، فكلُّ شركةٍ تشترط إتقانَ موظفيها الإنجليزيَّةَ! لكنَّ الطّالب العربيَّ ينشأ في بيئة عربيَّة، ولا يسمع اللَّسان الإنجليزيَّ مِن أهله الأصليّين، فيكتسب ثقافةً شوهاء، لا هي إنجليزيَّة، ولا هي عربيَّة، ويَعْسُر عليه طَلَبُ العلم والالتحاقُ بسوق العمل.
لا يتعارض إتقانُ العربيَّةِ لغةً أولى أبدًا مع تعلُّم الأطفال لغةً ثانيةً وثالثةً، تفيدهم في إدراك العلوم، واقتحام أسواق العمل، لكنَّ تعلُّمَ اللُّغة الثَّانية لا يُغْني عن تعلُّم اللُّغة الأمِّ، فلا يُبنى الطّابق الثّاني قَبْل وضع أساسات البناء، والطِّفل العربيُّ يَكْبَرُ لا تَطْرُقُ العربيَّة الفصيحة أُذُنَه! وإنَّ العاقلَ لا ينظرُ إلى اللُّغة الأشيع في عصرنا فيستبدلُها بلغتِهُ الأمَّ! إنَّ الأحرى به أن ينظر إلى الأمم التي تقدَّمتْ واهتمَّتْ بلسانَها ونشرته، فيحذو حَذْوَها بالاهتمام بِلسانِه، لا أنْ ينطِق بلسانهم! فإنَّ الثَّقافات تتبدَّل، واللَّغةَ المُهَيْمِنَةَ تتغيَّر، وما كانت الإنجليزيَّة طَوال الدَّهرِ لغةَ العِلْم، بل سبقتها العربيَّةُ عندما اهتمَّ بها أهلوها، ورَوَوْها بِحُبٍّ وغَيْرَة، ومَلؤوا الدُّنيا إنتاجًا عِلْمِيًّا أسهمَ في تَقدُّمِ البَشَرِيَّةِ، حتّى صارت لُغة العِلْمِ ولُغَةَ الأدبِ، ولمّا قلَّ اهتمامُهم بها، ضَعُفوا وذَلّوا، وتأخَّر حالهم بتأخُّر لِسانِهم، وإنما الأمم بلغاتهم.
والطِّفْلُ اليومَ قادرٌ على تعلُّم لغاتٍ شَتّى تعلُّمًا متوازِيًا، فَلْيَبْنِ مَعْرِفَتَهُ بناءً صحيحًا، ولْتَكُنْ لغَتُه مِفتاحَ هذا البناء، وهُويَّتُه جدرانَه، فلا ينسلخ عن أصله الذي أعزَّه اللَّهُ به.
الثّاوي عَلى صخْرٍ عِنْدَ شاطِئِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ
تخرَّج أبي عامَ ١٩٧٥م في كلِّيَّة الآداب بجامعة الإسكندريَّة، في قسم اللُّغة العربيَّة واللُّغات الشرقيَّة، وعَمِلَ مُعَلِّمًا في مدينة الإسكندريَّة، ثم انتقل إلى دولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة حيثُ عَمِلَ مُعَلِّمًا للُّغة العربيَّة ومُوَجِّهًا تربويًّا ومشرِفًا ومدرِّبًا خلال أكثرَ مِن أربعةِ عقود، قضى نصفَها الأوَّل معلِّمًا في مدرسةٍ واحدة هي «ثانويَّة دبيَّ»، وطالما اصطحبني أبي إلى المدرسة حيثُ يعمل، وتعرَّفْتُ هناك إلى عائلة اللُّغة العربيَّة التي كان منها شعراء وأدباء.
يَحْكي صديقُ أبي د. طلال الدرويش -رحمه الله:
«أرسل أخي الأستاذ السَّيِّد سيف النَّصر، “الثّاوي على صخر” عند شاطئ الإسكندريَّة، مِن هاتفٍ رَقْمُهُ غَيْرُ واردٍ في ذاكرة هاتفي:
مِن الثَّغرِ الباسمِ، الإسكندريَّة،
إلى ساكِنِ العَيْنِ[2] أَلْفُ تَحِيَّة!
أَبُثُّكُمْ أَشْوْاقَ المَحَبَّةِ الخَالِصَة،
وَأَدْعُو لَكُمْ بِالصِّحَّةِ السَّابِغَة،
وَالنِّعْمَةِ الغَامِرَة.
فأجبتُه على الفور:
حَيَّاكَ مَنْ ذَرَأَ البَرِيَّة ** وَأَنَا أُثَنّي بِالتَّحِيَّة!
وَرَعَاكَ مِنْ رَبِّ البَرَايَا ** ظِلٌّ، وَأَلْطَافٌ خَفِيَّة
أَثْلَجْتَ صَدْرِي يَا لَسَعْدِي! ** هَذَا شَذَا الإِسْكَنْدَرِيَّة!
لَكِنْ أَتَانِي مَا أَتَانِي ** وَنَسِيتَ خَتْمَكَ يَا أُخَيَّهْ!
فأرسل يستخدم:
“وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ “.
فأَرْسَلْتُ مُسْتَخْدِمًا:
“سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى*”
فعاود مستخدمًا:
“إنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ”
فأرسلْتُ له:
“وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ“
ثمّ اتَّصَلْتُ به واتَّصل بي وثارتْ شُجون!!»
وكان د. طلال -رحمه الله- شاعرًا متحرِّكًا مُتفاعِلًا مع وسائل التَّواصل، يبعث كلَّ جُمعة قصيدةً جديدةً لأحبّائه ومتابعيه، ولا أنسى أبدًا أنَّه حيّانا بأبياتٍ شعريَّة رائعة عندما أَطْلَقْنا مشروعَ «عنادل» عامَ ٢٠١٤م، يقول:
نَعَمْ يا ابنَ مِصْرَ وَفَخْرَ الأَوائِل ** تَرَنَّمْ وَنافِسْ خَريرَ الجَداوِل
وَنادِ الرِّفاقَ جَميعًا وَأَنشِدْ ** بِلِسْنِ الفَصاحَةِ لَحْنَ العَنادِل
النَحّاتُ والأسْتاذُ «عَجيب»
كنْتُ أشاهد أبي في المدرسة يُحضِّر برامجَ الإذاعة المدرسيَّة المُبْتَكَرَة، فقد ابْتَكَرَ شخصيّاتٍ مِنها شخصيَّة الأستاذ «عجيب»، الذي يكرِّرُ في ظهوره دائمًا قَوْلَه: «عجيب!» بأداءٍ مُمَيَّز، وبرنامج «لقاء على الهاتف» الذي يستضيف فيه شخصيَّات من التاريخ العربيِّ والإسلاميِّ، فاستضاف مرةً «بشّارَ بْنَ بُرْد» يحكي لنا عن حماره الذي مات حُبًا! وأَذْكُرُ له مسرحيَّة إذاعيَّةً صاغها ببراعة؛ ليشرحَ للطُّلّاب النَّحْتَ في اللُّغة العربيَّة، إذْ خَبَّأَ وَسْطَ الطُّلّاب طالبًا يؤدِّي دوْرَ نَحَّات، خرج فجأة في أثناءِ طابورِ الصَّباح صائحًا: نحّات! نحّات! نحّات!
واستغرب المذيع واستدعاه، فسأله عما يَنْحِت وهو لا يملك أدوات النَّحْتِ، فأجابه بأنَّه نحّات لغة، يَنْحِتُ من «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم» بَسْمَلَ، ومِن «لا حولَ ولا قوةَ إلّا باللَّه العليِّ العظيم» حَوْقَلَ، وفي مكتبتي مُجَلَّدان جميلان مِن البرامج الإذاعيَّة التي أعدَّها أبي وقدَّمها في إذاعة ثانويَّة دبيَّ.
غُرْفَةُ المَصادِرِ
حَرَصَ أبي أن يَقْتَنِيَ حاسوبًا في منزلنا مُذْ دخل الجهاز إلى أسواقنا، وتعلَّم استعماله بِجِدٍّ واجتهاد، وكان مِن أوائل مُسْتَعْمِلي غرفةِ المصادر بالمدرسة، إذْ صمَّمَ دروسًا تفاعُلِيَّةً على برنامج «باوربوينت»، وشاهدتُه يسهرُ اللَّياليَ يُحضِّرُ درسًا مِن هذه الدروس، أو كلمةً سيلقيها، أو تَجْرِبةً تربويَّةً سيعرضها.
وَقَدَّمَ أبي كثيرًا من المشروعات التربويَّة في دولة الإمارات، مِنْها: مشروعٌ في الإملاء سمّاه: «مِئَةُ الكلمة جِسْرًا للتَّواصل»، درَّبَ فيه المُعَلِّمينَ والطُّلّابَ على قواعد الإملاء مُسْتَعِينًا بالألفاظ التي تَرِدُ في الكُتُبِ المدرسيَّة، وَعَرَضَ نتائجَ هذه التَّجْرِبَةِ المَيْدانِيَّة في مؤتمرٍ تربويٍّ، وكانتْ نتائجَ باهرة.
قُمْ لِلْمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجيلا
ومِن المشاهد التي لا أنساها، أنْ جاء أبي رجلٌ أنيقٌ في يومٍ مِن الأيّام في غرفة مُعَلِّمي اللُّغة العربيَّة بثانويَّة دبيَّ، احْتَضَنَ أبي احتضانَ المُسافِر الآيِب، وسلَّم عليه سلامَ الحَبيبِ الشَّيِّق، وأنا أرى مِن وجه أبي أنَّه لا يعرفه، فإذا الشابُّ يُعرِّف نفسَه بأنَّه كان طالبًا لديه، وقد تَزَوَّجَ وأنجب ابْنًا ويعمل مُحامِيًا، وجاء مسلِّمًا شاكرًا.
ويومًا كنْتُ مع أبي يقودُ سيّارته في شوارع دبيَّ، وإذا بالسيارة المجاورة يشير لي قائدُها أنْ أُنْزل زَجاج النّافذة مُلِحًّا إلْحاحًا عجيبًا، ولمّا تنبَّه أبي توقَّف جانبًا، سلَّم عليه سائقُ السيارة سَلامَ الابْن العائد من سَفر، فإذا هو طالبٌ درَّسَه أبي، ويعملُ الآنَ في تلفزيون دبيَّ.
وما أنسَ لا أنسَ ضابطًا في إحدى المصالح الحكوميَّة حيثُ كانت تُجابهنا مشكلةٌ في أوراقنا، وإذا الشرطيُّ يَحْمَرُّ وجهه خَجَلًا ويسأل أبي: أكنتَ معلِّمًا في ثانويَّة دبيَّ في الثَّمانينيّات؟ فيردُّ أبي بالإيجاب، فيُجلِسُه الشرطيُّ، وينقلبُ الإشكالُ حلًّا، ويُسَخِّره اللهُ لنا عَوْنًا.
كُلُّ تلك المشاهد تعلَّمْتُ منها قَدْرَ المُعَلِّم، وإنَّ أبي هو مُعَلِّمي الأوَّل، وهو صاحب الفضل على عنادل.
في عام ٢٠١٤م كُنْتُ قرَّرْتُ إطلاقَ مشروعٍ يُعنى بالعربيَّة وفنون الأداء الصوتيِّ، واستَعْصى عَلَيَّ أنْ أَجِد له اسْمًا، وطال الأمر شهورًا، حتّى اقترحَ أبي اسم «عنادل»، وما «العنادل» يا أبي؟ إنَّه جمع عندليب، وما أنْسَبَ هذا الاسْمَ لمشروعنا! فالعندليبُ طائرٌ جميل الشَّكْلِ والألْوان، مُتَنَوِّعُ الألحان، يُغنّي ليلًا حتّى يُسمع، وهُو رمْزٌ مِن رموزِ الجمال عند الكُتّاب والشُّعراء.
وما بَخِل أبي على «عنادلَ» بعلم أو معرفة أو مالٍ، وقدَّم لنا كُلَّ شَيْءٍ، مُنْذُ بدأنا وإلى الآنَ، وهو يُقدِّم على قناة عنادل بَرامج منها: «مَعَ العربيَّة لغتي»، و«كنوز من ثقافتنا»؛ الذي يعرض فيه لكتاب «ابن جماعة» «تَذْكِرَةُ السّامع والمُتَكَلِّم في أدب العالم والمُتَعَلِّم» عرضًا تربويًّا عصريًّا يواكب العصر الذي نعيش فيه، ويستفيد من هذا الكنز الثقافيِّ العظيم الذي بين أيدينا، كأنَّما يَبْعَث ابْنَ جماعةَ مِن البِلى، يُعِدُّ معلِّمي القرنِ الحادي والعشرين ويُدَرِّبُهم.
عَطَاءٌ مُسْتَمِرٌّ
يقدِّم أبي على قناةِ «عنادل» وموقعِها برامجَ متنوعة:
إضاءاتٌ تربويَّةٌ: ومَضاتٌ في إدارة الصَّفِّ، وتوجيه المعلِّمين، وتصميم الدُّروس الفَعّالة المُمْتِعة، وقَبَساتٌ في إدارةِ المدارس، وعمليّات التعلُّم والتَّعْليم كافَّةً، ألهمتها التَّجْرِبة الطَّويلة النّاضجة المؤَسَّسَة على العلوم التربويَّة قديمِها وحديثِها، تواكب العصر، وترتبط بهُويَّة أصيلة.
مع العربيَّة لُغتي: دقائقُ لُغويَّة، تُعْرض في دقائقَ معدودة، بلُغة رائقة، تَنْفُذ إلى القلوب، وتَنْغِرس في الأذهان.
مِن كنوزِ ثقافتنا: قراءةٌ عصريَّة في كتاب «تَذكرةُ السامعِ والمُتكلِّم في أدبِ العالمِ والمُتعلِّم» لابْن جماعة، ورحلةُ غوّاصٍ يستخرجُ اللآلي مِن هذا الكتاب الرائع، يُسْقِطُ عِلْم الأمسِ على واقعنا المعاصر، لِنتعرَّفَ أدبَ المعلِّم في نفسه ودرسه ومع طلابه.
ولأبي كتاب رائع: «دُعاءُ الأَنْبِياءِ في القُرْآنِ الكَريمِ.. دروسٌ وعِبَرٌ» صَدَرَ عن دار البشير عام ٢٠٢٢م، قرأتُه أكثر مِن مرَّة، وفي كلِّ مرَّة أَجِدُ مِن الفوائد ما لا يُعدُّ، ومِن المَتع ما لا يُحصى، إذْ يَطَّوَّفُ أبي بنا في كتابه تَطْوافَ المتدبِّر المتأمِّل في أدعيةِ الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- التي وردتْ في الذِّكْر الحكيم، فيستنبط مِن كُلِّ دعاءٍ سماتٍ شخصيَّةً لكلِّ نبيٍّ كريم، ويقرأ دعاءَه قراءةً عَصْرِيَّة تَنْعَكِسُ على الواقع، مُتَنَقِّلًا بين التفاسير، يَغْتَرِفُ الدُّرَرَ دروسًا وعِبَرًا، بقَلْبِ اللُّغويِّ النِّحْرير، وفؤاد التربويِّ الخبير، يسعى في رحلته الماتعة الصادقِةِ إلى بَرِّ الأمان والسَّلام.
ولأبي كتابٌ أسبَقُ نَشْرًا، هو كتاب: «قِراءاتٌ في حبِّ الإماراتِ.. مُقارباتٌ تربويَّةٌ»، صَدَرَ عن الدّار العالميَّة للنَّشْر والتَّوزيع عام 2018م، والكتاب إنَّما يَذكرُ الإماراتِ في عُنْوانِه؛ لأنَّه يَسْعى للمشاركةِ في فَيْضِ المُبادرَاتِ القِرائيَّةِ التي انطلقَتْ مع انْطِلاقَةِ عامِ القراءة، وذلك بِرَصْدِ المَشْهَدِ القِرائِيِّ الثقافيِّ في دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، ومقارنته بالمشهد الثقافيِّ في حضارتنا العربيَّة الإسلاميَّة في عصر ازدهارها، ثُمَّ بعرض نماذجَ مِن شغف القراءة في حضارتنا، وبَيْنَ هَذَيْنِ المَشْهَدَيْنِ قراءاتٌ في ثمانيةٍ مِنَ الكُتُبِ؛ أربعةٌ منها تَلِجُ بِنا في فِكْرِ القادة، واثْنانِ يَدورانِ بنا في فَلَكِ التَّربية، واثْنانِ يُحَلِّقانِ فِي سَمَاءِ الثَّقافَةِ المُعاصِرَة، ويَرْصُدُ مِنْ خلال ذلك الرُّؤى التَرْبَوِيَّةَ التي لا يستغني عنها إنسان.
وما زِلْتُ إلى اليوم أتعلَّم من أبي، ما سألتُه سؤالًا في العربيَّة إلا أفاضَ بِعِلْمٍ واسع، حتَّى رَجَوْتُ أنْ أُسجِّل محادثاتي معه، في هذا المقال أقول له شكرًا، شكرًا على كلِّ شيء، شكرًا لأنك علَّمتني العربيَّة، وحبَّبْتَها إلى قلبي.
وأبعث لكم هذه الرسالةَ بأَنْ أَسْمِعوا أبناءَكم العربيَّةَ، اجْعلوا لهم منها نصيبًا يوميًّا، يَسْمَعونَ ويتحدَّثونَ، حينئذٍ سيتعلَّمونها في سهولةٍ ويُسْر، وسيحبّونها، وما أجدرها بِحُبِّهم!
[1] تقرير البنك الدولي: النهوض بتعليم اللغة العربية وتعلمها https://bit.ly/31UL5AX
[2] يقصد مدينة العَين في دولة الإمارات العربية المتحدة