الغلط في حرف الجيم
عاصم السيد
أ- غلط الشدة والرخاوة: إني هنا أشير إلى غلط شائع في حرف واحد هو الجيم، وخاصة بين أهل الإعلام في مصر، الذين جعلوا من الجيم القاهرية علامة مميزة لنطقهم، وبرز من المصريين من يدافع عن فصاحة هذا الصوت دفاعًا شديدًا، إن الجيم الفصيحة مجهورة لا يصاحب نطقها جريان للنفس، وشديدة مع نطقها إغلاق كلي لمخرج الحرف، ومخرجها من وسط اللسان، إذ يصطدم وسط اللسان بسقف الحنك الأعلى في موضع مخرج الجيم، ويسد مخرج الهواء تمامًا، ثم نفجّر الهواء مرة واحدة، فالجيم حرف انفجاريّ، والجيم القاهرية إنما هي النظير المجهور للكاف وتخرج من أقصى اللسان، وأقول بأن هذه الجيم غير فصيحة لأنها لم ترد في أي قراءة من القراءات العشر للقرآن الكريم، والقراءات العشر تحيط باللهجات العربية الفصيحة المختلفة تيسيرًا على القراء من المسلمين، وهي المنقولة جيلًا بعد جيل تحت شروط ثلاثة صارمة هي:
· صحة السند، السلاسل التي كلها عُدُول وثِقَاتٌ وصولًا إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن جبريل –عليه السلام- عن رب العزة -سبحانه وتعالى–
· أن توافقَ العربيةَ على وجه، فالقرآن العربي لا يخالف قواعد اللغة أبدًا، بل آياته تُتَّخذ أدلّة لوضع القواعد، فهو كلام الله تعالى الذي لا يعلوه كلام فصاحةً وبلاغة، وهو معجِز في لغته
· أن توافق الرسم العثماني، الذي بَعَثَ به الخليفةُ الراشد عثمان بن عفّان –رضي الله عنه– إلى الأمصار وكذلك فإن الجيم القاهرية صوت يستخدمه العوام في القاهرة ولايستخدمه العوامّ في الصعيد، حيث ينطق بعضهم الجيم انفجارية فصيحة، وينطقها آخرون دالًا، كالصعيديين من مدينة (جِرْجَة)، وإن العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة تقلب الجيم ياءً، فيقولون (دياي) بدلًا من (دجاج)، فكيف أستشهد بأصوات في عاميات لا تختلف فحسب من دولة إلى دولة، وإنما تختلف كذلك من مدينة إلى مدينة، وليس نطق بعض أهل اليمن وعمان صوتَ الجيم القاهرية دليلًا على فصاحة هذا الصوت. ولماذا ينطق الإعلام المصري بهذه الجيم دون كل وسائل الإعلام الناطقة بالعربية الفصيحة، ولو عمل مصري في بي بي سي لما سمحوا له بنطق الجيم القاهرية، والعجيب أن إحدى مذيعات بي بي سي العربية في مصر التي شاركتها ورشة تدريبية، دعت المتدربين إلى نطق الجيم القاهرية في نشرة الأخبار بحجة أن الجيم الفصيحة ثقيلة على الآذان! وهي لا تستطيع أن تنفذ دعوتها حيث تعمل، فهل الجيم في القرآن الكريم بقراءاته العشر ثقيلة على الأذن؟ لقد سمعنا ونحن صغار النمر المقنع وجريندايزر والمحقق كونان ينطقون الجيم الفصيحة، فما كانت أبدًا ثقيلة على أسماعنا الغضة. والخطر في أني وجدت متدربين يقرؤون القرآن بالجيم القاهرية ظنًّا منهم أن ذلك جائز، وقد صَعُب عليَّ إقناعهم بأن ذلك غلط، وأنهم إنما يقرؤون برواية حفص عن عاصم، وما قرأ عاصم ولا غيره من أصحاب القراءات بالجيم القاهرية. وإن الكثيرين ممن لم يتعودوا نطق الجيم الفصيحة منذ كانوا صغارًا، لا ينطقونها صحيحةً و إن حاولوا الحفاظ على صفاتها، ذلك أن وسط اللسان أثناء النطق لا يصطدم بسقف الحنك، ويجري مع نطق الجيم نفس، فتبدو كأنما يخالطها شين، الجيم الفصيحة شديدة معها إغلاق كلي لمخرج الحرف وصوتها مبتور غير مستمر، وهي مجهورة لا يجري مع نطقها النفس.