إضاءات تربوية | إدارة الوقت (1)

بَينَ يَدَيِ الإضَاءَات

فهذه مجموعة من المقالات تلقي الضوء على قضايا تربوية وشؤون تدريسية، رُصدت من الميدان التربوي من بيئة المُعلِّمين والمُتَعلِّمين، عارضِةً لتجارِبَ مُفيدة، ومُعالجَةً لتحديّات مُقلِقة، ومُقترِحة سُبُلا لإغناء مواقف التَّعليم والتَّعلُّم في رحاب الجديد الذي يتدفَّق كلَّ يوم؛ وذلك رغبةً في مُشاركة المُعلِّمين -قادة الميدان التربوي- في أداء رسالتهم السامية أداء مِهْنيًّا مُتقنًا.

السيد سيف النصر

تخرجَّ في قسم اللغة العربية واللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية سنة 1975م، وشرف منذ ذلك الحين بالعمل في الميدان التربوي مُعلّمًا ومُشرِفًا تربويًّا ومُدرِّبًا في بيئات متنوعة ومختلفة. وشارك في أثناء ذلك في منتديات تربوية، ومؤتمرات علمية، تبحث في هموم الميدان التربوي، وتعنى بمستقبله، وتعده إعدادا لولوج القرن الحادي والعشرين وهو ممتلك مهاراته؛ ليقود عمليات التعليم والتعلم قيادة عصرية.

الوقت في ديننا الحنيف وفي تراثنا العظيم أغلى ثروة، وأعظمُ مِنحَة؛ فالوقت هو الحياة، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وكل لحظة تمرُّ فلن تعود، ولا تُؤجِّل عمل اليوم إلى الغد…وصدق يحيى بن هُبَيْرة البغدادي( المتوفى 560هـ ) حين وصف الوقت بالنفاسة ووصف الناس بسهولة تضييعه:
والوقْتُ أَنْفَسُ ما عُنِيتَ بِحِفْظِهِ ** وَأَرَاهُ أسهَلَ ما عليك يُضَيَّعُ

وتولّى ابنُ هُبَيْرة الوزارَةَ، فلم يمنعْه هذا المنصبُ الرّفيع عن مواصلة حياته العِلميَّة طلبًا وتأليفًا وتدريسًا، فضرب لنا مثلًا في استثمار الوقت وإدارته!
ولعلنا نحفظ قول أمير الشعراء:
دقّاتُ فلب المرء قائلَةٌ له ** إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثواني

 والعباداتُ كُلُّها عندنا مرتبطة بالوقت ارتباطًا وثيقًا لا تنفصِمُ عُراه، بل إنَّ كلَّ شأن دينيٍّ  ممزوجٌ بالوقت ومنضبطٌ به انضباطا لا نَظيرَ له، ويكفينا في هذا السياق قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا” [النساء:103]

  وفي كل هذا دوافعُ قويَّةٌ لنا معاشرَ المعلمين؛ لكي نحتفي بالوقت، ونعطيه قَدْرَه من العناية في سلوكنا ونحن نُمارسُ مِهنتنا الشَّريفة؛ لأنَّ سلوكَنا ليس مِلكًا لنا؛ فهو يقع –لا محالةَ-  تحت عيون المتعلمين الفاحصة صَغيرِهم وكبيرهم؛ فيؤثر فيهم تأثيرا كبيرا، ويُرغِّب المُتعلِّم في أن يقتديَ بمُعلِّمه، فإذا رآه غيرَ حريصٍ على الوقت، لا يملؤه بالعمل المفيد، وإذا شاهده يأتي متأخرًا عن موعد بَدْء الحصة، فإنه سيلتقط هذه الرسالة غير المحمودة، ويمضي في حياته عابِثًا لاهيًا، يهدرُ وقتَه، ولا يستثمره فيما يفيد وينفع، وقد يقع وِزْرُ ذلك على المُعلِّم الذي قدَّم النموذج غير الحميد، وسنَّ السُّنَّةَ السَّيِّئَة!

 وإذا شعر المتعلِّم أنَّ مُعلِّمه حريصٌ على الوقت، يُنظِّم عملَه، لا يترك وقتًا في الحصة بِلا عملٍ مُخطَّط له، ويكون دائما مع المَوْعد في بَدء الحصة، فإنه سيقتدي به، وينطلق في حياته مُنظِّمًا مُخطِّطًا، ولا يُضيِّع وقتَه سُدًى، وينال المعلم أجر ذلك العمل من ربه- سبحانه- لأنه قدَّم القدوة المحمودة، وسنَّ السُّنَّةَ الحسنة! 

ولذلك لا أجدُني مُبالِغًا حين أقولُ: إنَّ المُعلِّمَ أكثرُ النّاس أجرًا!

فكُلُّ هذه الأعداد المُتلاحِقة من المتعلمين الذين تأثروا به وأفادوا من علمه، وانتفعوا بنصائحه، واقتدَوْا بسلوكه الطيِّب، كُلُّ هؤلاء يصبّون صبًّا في صحائف حسناته! بالإضافة إلى الذِّكر الحسن والسيرة العاطرة! ولعلنا على ذُكرٍ من قول نَبيِّنا صلى الله عليه وسلم:

“منْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً فلهُ أجرُها، وأجرُ مَنْ عمِلَ بِها من بعدِهِ، من غيرِ أنْ يُنقَصَ من أُجورِهمْ شيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيِّئةً فعليهِ وِزرُها، ووِزرُ مَنْ عمِلَ بِها من بعدِهِ، من غيرِ أنْ يُنقَصَ من أوْزارِهمْ شيءٌ” [صحيح الجامع]